مقالات وأراء

الدكتور غانم السعيد يكتب: تعددت الأسباب

كان من الممكن أن يكون أنا ، وقد تكون أنت ، وقد يكون ابني ، وقد يكون ابنك ، قد يكون أخي وأختي ، وقد يكون أخوك وأختك ، قد يكون جاري أو جارك، هم الذين ماتوا في حادث القطار الطائش الذي أصر في غباء وحماقة على الحرق قبل القتل فكانت القتلة قتلتين، وكان الموت مرتين, وكانت صدمة الفراق فوق أي احتمال

ياله من يوم احترقت فيه الأكباد !! ، وتمنعنت فيه المقل عن البكاء !! ، حتى تظل مراجل الأكباد تغلي في الفؤاد، فيتزايد الوجع ألافا على آلاف، والآهات ملايين آهات .

كم من أمٍّ باتت الليلة فيك يا مصر معصوبة الرأس متشحة بالسواد؟! تتأبى عليها الدموع أن تنساب لتتخفف عنها ثكلة الفراق .
كم من زوجة وجدت نفسها فيك الليلة يا مصر على حين غرة مفجوعة في نفسها ، وعلى فراخ لها كانوا قد وضعوا قبلات الوداع على جبين أبيهم في الصباح انتظارا للقاء ، فكانت تلك آخر القبلات وذاك آخر الوداعات ، وظلوا مع الغروب ينتظرون وما قطع انتظارهم إلا ولولة سيارة الإسعاف وهي تحمل أباهم فحمة ملفوفة في أشباه أكفان .
لقد كنت يا قطارا قاسيا قسوة أشد من سماكة حديدك، وصوت ضجيجك، وزمجرة طرابينك.

كنت قطارا ساديا لا تتلذذ إلا بلحوم البشر مشوية، ومن تفلت من شوائك، نهمته مفروما تحت عجلاتك.

ألم تناشدك مكابحك أن تستجيب لها فتخفف الفرم، ولا تنفخ في النيران ؟.

لك الله يا مصر في هذه الليلة ، فهي ليلة ليلاء على من عاش، ونسأله تعالى أن يرحم من مات .

سبحانك ربنا قلت : – ومؤمنين بقولك – : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ).
وقلت – ومؤمنين بقولك – : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) .
قلت – ومصدقين لقولك – : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )
اللهم إننا نحتسب عندك أبناء الوطن من شهداء حادثة القطار ، اللهم فارحم من مات منهم ، واشف من عاش .
واربط على قلوب الآباء والأمهات ، والأبناء والزوجات .
فأنت أرحم الراحمين ، ولا راحم سواك .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »